عذرا ، لقد انتهى التسجيل.

فينومينولوجيا علوم الإنسان: يعرف الكثير منا ذلك السؤال الكلاسيكي الذي طرحه الفلاسفة وغيرهم عن العالم الحقيقي، في صيغة ما هو العالم الحقيقي؟ ولكن الإجابة الأقرب هي أن هذا العالم هو : عالم المعيش (Lebenswelt) (هوسرل) الذي يحيط بنا (Monde ambiant)، العالم الواقعاني (Monde de la facticité) (هيدغر). أو ما يمكن توصيفه بعالم الحياة، هو العالم الذي يسلّم به كلّ علم أكان نظريا أم عمليا، بما هو تشكّل غائي، بحيث يوجد "من نفسه"، سلفا على الدوام (toujours-déjà) وهو دائم البقاء...


  • التاريخ: 04/06/2020 10:00
  • المكان تحت إشراف: ا.د.قواسمي مراد (الخريطة)
  • مزيد من المعلومات: مقر المخبر IAP

الوصف

فينومينولوجيا علوم الإنسان

يوم 04  جوان 2020


الديباجة:

يعرف الكثير منا ذلك السؤال الكلاسيكي الذي طرحه الفلاسفة وغيرهم عن العالم الحقيقي، في صيغة ما هو العالم الحقيقي؟ ولكن الإجابة الأقرب هي أن هذا العالم هو : عالم المعيش (Lebenswelt)  (هوسرل) الذي يحيط بنا (Monde ambiant)، العالم الواقعاني  (Monde de la facticité) (هيدغر). أو ما يمكن توصيفه بعالم الحياة، هو العالم الذي يسلّم به كلّ علم أكان نظريا أم عمليا، بما هو تشكّل غائي، بحيث يوجد "من نفسه"، سلفا على الدوام (toujours-déjà) وهو دائم البقاء، كما أن كلّ ما انبثق وينبثق عن الإنسانية على المستوى الفردي أو الجماعي جزء منه، إنه عالم يعيش فيه الكلّ بما فيهم العلماء الذين تنتمي "أعمالهم النّظرية" إليه بحيث يمكنهم توظيفه، وهو بالضبط "في الأساس"، إنه ليس بمحتوى وإنما ينعطي إليهم متقدّما في كلّ مرة ومع ذلك فهو ملك للأنا، كلي الوجود، دائما في حركة ارتباط مستمرّة كما يشكّل ميدان كل المشاريع، الأهداف، الآفاق الغائية وآفاق الأعمال ذات المستويات العليا.[ Husserl (E) : appendice XVII, in : La crise des sciences,]

ومن بين أوجه المفارقة أن ما يعبّر عن الحياة الإنسانية يبتدئ من غير الحياة نفسها، ومما يتفارق وعالم المعيش. مثلا، هناك ميدان كل من التعليم والتكوين اللّذان يعبّران عن هذه المفارقة والافتراق بالطابع التقني لهما، إذ يتم فيهما تحضير الأفراد للقيام بمهام محددة وفقا لبرامج مقدّمة بصورة تقنية (أي بصورة لا يُعلَم فيها المبتدأ من الخبر والبدء من الانتهاء) بحيث إن مهمة التعليم تتمثّل في أنه على الفرد أن يكتسب مهارات وعادات وسلوكيات قابلة للتطبيق تلقائيا من دون الحاجة إلى التفكير إذ يتلقاها عبر التلقين بما هي جاهزة، من دون التعرّف على تاريخيتها، تكوينها وإجراءاتها، مفصولة عن أصلها الأوّل ليطبّقها بكل حيثياتها التقنية بلا نظر في معناها، وبقدر إمكانية تحقق هذا السلوك بمهارة وإتقان بقدر ما يصبح أسيرا لها، فالعادة تقتل الإبداع، والتقنية تقتل البحث في التكوين وتاريخية المعطى، الأمر الذي يقتل الحرية والوعي الحرّ في الإبداع والإنجاز.

وهو الأمر الذي ينطبق حتى على مستويات التعليم العالي في الجامعات وليس فقط في المِهَنِ [هوسرل (إ): الغائية في تاريخ الفلسفة]، إنما يمتدّ الطابع التقني إلى غاية العلوم الإنسانية، كما أن الرابط الوحيد التي يجمع شمل الشُعَب المختلفة والكليات على مستوى الجامعات ومعاهد التكوين هو المؤسسة وحدها بما هي هيئة رسمية فقط، الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع نسبة الحواجز بين الشُعَب المختلفة وحتى التخصصات التي تنتمي إلى نفس العلوم المتعدّدة، وهو ما يعبر عن الذيوع الكاسح للأساليب التقنية لينتشر معه اغتراب العلماء والمتخصّصين فيما بينهم، بدلا من تكوين "جمع بينذاتي"، ما يتجلّى في وجود أشخاص متخصّصين وعلماء ذوي قدرات وإمكانيات جبّارة في مجال تخصصاتهم إلا أنهم ليسوا على أدنى معرفة بما يحصل في المجالات المعرفية والعلمية الأخرى.

هناك علماء لا يعرفون حتى كيفية التعامل مع أبسط مشكلات الحياة اليومية، فكل شيء بالنسبة لهم في الحياة اليومية، وفقا لمطابقة التقنية للعلم والعقل في نظرهم، يُحَلُّ بالمهارات الآلية، وهذا ما يعني بأن أفقهم جد ضيق في النظر إلى مشكلاتهم سواء العلمية أو حتى اليومية منها، ذلكم ما هي مسؤولة عنه التصوّرات الآلية الرائجة في العصر الراهن، بحيث يفقد العالم كلّ أهمية وضرورة للتساؤل عما له علاقة بحياة مفتوحة الأفق ذات أبعاد أخرى في سياق المعنى الشامل، أي عن الأفق العام الذي يجمع شمل كل علم جزئي قائم في استقلاليته المتوحّدة.

هذا ما يتولد عن إهمال الأسئلة الحيوية ذات المعنى العام والشامل بعدما يتم التخلّي عن أسئلة توجيه سير البحث العلمي الذي يخرج من يد العلماء ليصبحوا مهتمين بالعلوم فقط من الداخل، تلكم هي النزعة التي تضع أسئلة المعنى والغاية والحرية والمسؤولية خارج مجال العلم.

هذا ما يقدّم صورة بيانية وخريطة جغرافية لما هو حاصل راهنا في واقع العلوم المتأزّمة يملؤه القلق تجاه الحياة في عالم فاسد أساسه ومخرّب، أساس علمي مفهوم بمعنى التقنية أو الآلية الساذجة التي تناست العودة إلى الحياة اليومية في بساطتها بما تحمله من آفاق مفتوحة، ووحدها الفلسفة إلى جانب علوم الإنسان التي بإمكانها بيان الصورة الواضحة التي تتضمّنها معالم العلم، لتزيح عنها الغموض وتفتح الطريق في وجهها منطلقة قدما كيّ توحّد جهودها العلمية حتى تحصّل نموذج الفلسفة الكلّية، ذلك أن التخصص الذي كثيرا ما نشتكي منه ليس في حد ذاته عيبا، لأنه ضروري في إطار الفلسفة الكلية، كما أنه من الضروري إنشاء منهج فني في كل تخصص، ولكن الخطير هو فصل الفن النظري عن الفلسفة أو إمكان وجود الفلسفة النظرية، الموقف النظري "بحيث إن النظر الذي ينشأ في وحدة مغلقة بصدد كل ممارسة مدعو لأن يكون بكيفية جديدة في خدمة الإنسانية التي تعيش وجودها العيني في البداية ودائما بكيفية قطعية.[ هوسرل (إ): أزمة البشرية الأوروبية والفلسفة]

المحاور:

- من الأنثروبولوجيا إلى الأنثروبولوجيا الفلسفية.

- اشتغالات الأنثروبولوجيا الفلسفية.

- الثقافة بوصفها رمزيات وممارسات.

- من أجل فينومينولوجيا أنثروبولوجية.

- في الهرمينوطيقا الأنثروبولوجية .

المنسق العلمي: أ.د. قواسمي مراد.

mr.gouasmi@gmail.com


تم عمل هذا الموقع بواسطة